د.علا عبد الرحمن خليل رئيس مجلس الادارة
عدد المساهمات : 135 تاريخ التسجيل : 03/09/2010 الموقع : facebook الملتقى النفسى
| موضوع: السعادة الشخصية الأربعاء يناير 19, 2011 10:57 pm | |
| آخر تطورات البحث العلمي في دراسة السعادة الشخصية التي تبين أن العامل الأهم الذي يتفق في إبرازه السعداء من البشر هو تقبلهم للآخرين و تقبل الآخرين لهم. وتتأكد يوميا لكل من يقوم بممارسة العلاج النفسي مع مختلف أنواع المرضى والمترددين على العيادات النفسية. على مدى ما يقرب من ثلاثين عاما من الممارسة المهنية في العلاج النفسي مع المئات من الحالات النفسية والعقلية, تكشف لي شخصيا أن صعوبات التعامل مع الناس و إحساس بما يمثلونه لنا من صعوبات وضغوط تكاد تكون عنصرا مشتركا- إن لم يكن الأهم- في كل الحالات التي تزور العيادات النفسية. و في المقابل سيتكشف للممارس المهني و المعالج النفسي اليقظ أن بداية تعبير المريض عن تقبله لنفسه وتقبل الآخرين و تحسن تواصله الإيجابي بهم هو في الواقع بداية التيقن من نجاح العلاج النفسي و تحقيقه لأحد أهدافه الجوهرية وأننا نسير في الطريق السليم. إن حياة نسبة كبيرة من الناس بما فيهم زوار العيادات النفسية تتطور وتتحسن تماما عندما يتعلمون بعض قواعد التواصل بالآخرين. عندها تصبح نوعية الحياة التي نحياها أقل إثارة للتوتر والاضطراب وأكثر إنعاشا للصحة والطمأنينة. في دراسة أجريت على 600 طبيب تبين أنهم يتفقون عـلى أن المريض المحاط برعاية الأسرة والأصدقاء يتلقى رعاية طبية أفضل من هؤلاء الذين يتركون في عزلة ودون دعم اجتماعي. وفي دراسة أخرى تبين أن نسبة الكورتيزون تزداد بشكل ملحوظ لدى المرضى المعزولين اجتماعيا بالمقارنة بالمرضى الذين يلقون التدعيم والرعاية الاجتماعية. والكورتيزون لمن لا يعرف هو الهرمون المرتبط بزيادة الضغط والذي يؤدي إلى تراكم الشحوم في منطقة البطن التي تعتبر بدورها أحد أهم عوامل الخطر في الإصابة بأمراض القلب. ومن هنا تنبع أهمية العلاقة الأسرية خاصة إذا اتسمت العلاقات بين أفرادها بالتعاون والود. عندئذ تصبح مصدرا خصبا للسعادة والرضا وتكامل الشخصية. وكدليل على هذا أنني سألت ما يقرب من 300 شخص من الطلاب والموظفين من جنسيات مختلفة- يعيشون جميعهم في مجتمع عربي واحد- سؤالا بسيطا هو: هل تشعر بالرضا والسعادة عن حياتك هذه الأيام؟ وكما توقعت أجاب المتزوجون بالموافقة بنسبة أعلى من غير المتزوجين، و ذكر 35% من المتزوجين بأنهم في غاية السعادة في مقابل 18% من غير المتزوجين. وتتفق هذه النتيجة مع نتائج بحوث أخرى أجريت في مجتمعات أخرى غربية وشرقية لدرجة أن العالم النفسي الأمريكي "سيليجمان" ذكر صراحة أن المتزوجين مهما اختلفت انتماءاتهم القومية أو العنصرية عبروا عن الرضا ومشاعر السعادة بدرجة أكبر من غير المتزوجين في داخل أي مجتمع. وبالمثل، لم تختلف الحضارات الإنسانية فيما بينها في هذه النتيجة في مقارنة بين المتزوجين وغير المتزوجين في دراسة أجريت على 17 دولة من الدول الشرقية والغربية. الحياة الأسرية إذن عامل مهم من عوامل السعادة الشخصية والرضا، ويزداد وزنها في تحقيق ذلك إذا اتسمت العلاقات فيها بالاستقرار والتكامل، وفى الدراسات التي قارنت بين عوامل السعادة والرضا تبين أن الاستقرار الأسرى يلعب دورا أهم من الاستقرار المادي والمهني، وإن كان التقاء هذه العوامل وتضافرها أفضل بالطبع لتحقيق السعادة البشرية من اى عامل واحد بمفرده. والتواصل بالآخرين من خلال وجود شبكة من العلاقات الاجتماعية يلعب أيضا دورا حاسما في الإقلال من نسبة الوفيات وإطالة العمر. فمثلا: قلت نسبة الوفيات والإصابة بالأمراض بنسبة 28% في دراسة ضخمة أجريت في الولايات المتحدة على ما يقرب من سبعة آلاف شخص عند المتزوجين ممن لهم شبكة من العلاقات الاجتماعية الوثيقة بالأقارب والأصدقاء مقارنة بالأفراد المعزولين اجتماعيا. انظر لحياتك الشخصية, ستجد أن كل ما حصلت عليه من مزايا في الحياة: الصحة والتفاؤل والوظيفة التي تشغلها, والترقية التي كنت تصبو إليها, والنجاح الذي حققته أو ستحققه, والراحة التي تحصل عليها بعد عودتك للمنزل, وما تشعر به من رضا أو صحة نفسية أو عقلية, كل ذلك كان بسبب بضعة أشخاص من الناس أحاطوك بالحب والرعاية والتقبل والتقدير. ومن القواعد النفسية المعروفة أنه من الصعب أن تدخل في علاقة حميمة وناضجة مع أحد إن كان أحد الطرفين - أنت أو هم - يعاني من الخسارة نتيجة لهذه العلاقة. ولهذا فإن أنجح العلاقات الاجتماعية هي تلك التي تبنى على وجود كسب نفسي واجتماعي متبادل بين الأطراف الداخلة في هذه العلاقات.ومن المثير أن تعلم بوجود حقيقتين كلتاهما ستعمل لمصلحتك إن استثمرتهما جيدا في تفاعلاتك بالآخرين. الحقيقة الأولى منهما أن بيد طرف واحد من الأطراف الداخلة في أي علاقة اجتماعية أن يعمل على إنجاحها بسبب ما أسميه الاستثمار في الآخر. ويفترض هذا المبدأ أن استجابات الآخرين وأساليب تواصلك بهم تحدد - في الظروف العادية - استجاباتهم لك وطرقهم في السلوك والتصرف معك. بعبارة أخرى, حب الناس وتقديرهم لك هو في الواقع استجابة متوقعة نتيجة لتصرفاتك معهم, وهذا يعني بعبارات بسيطة ودقيقة أنك مسئول عن نجاح أو فشل تفاعلك مع الناس. كل المطلوب أن تبذل بعض الجهد, و العطاء (وقت ومشاركة و حتى العطاء المادي أو بأي معنى تريد.) أظهر لهم التقدير والود إذا كنت راغبا بالفعل في تقديرهم وحبهم لك. فالناس بإمكانهم أن يعطوك إن كنت أيضا قادرا على إعطائهم من حبك ووقتك ومودتك وتقديرك لهم. وسيعطونك المزيد من الاهتمام والحب, إن قابلت حبهم بحب وبادلتهم التقدير باهتمام مماثل. صحيح أن هناك أنماطا صعبة من البشر يفاجئونك باستجابات موتورة, ولكن هذه الأنماط البشرية والحمد لله قليلة ونادرة ولها ظروفها الخاصة ودوافعها المختلفة, وربما يتحرك بعضهم بدافع الاضطراب النفسي أو العقلي. وفي كل الأحوال ربما يحتاج التواصل - أو عدم التواصل - بأشخاص هذه الفئات الصعبة من الناس إلى أنماط من السلوك, واستجابات مختلفة ربما يتاح لنا الحديث عنها في مقال منفرد. أما الحقيقة السارة الأخرى, فهي أنه أمكن لعلماء النفس والمعالجين النفسيين أن يحددوا بالضبط قائمة بالمهارات الشخصية التي يمكن بفضلها توجيه العلاقات الاجتماعية للوجهة الإيجابية التي نطمح إليها. ولم يتم تحديد هذه المهارات فحسب, بل إن هناك ما يدل على أن هذه المهارات يمكن تعلمها, وتدريبها في فترات قصيرة من الوقت. وعلى رأس قائمة هذه المهارات واحدة يكشف البحث العلمي يوما بعد يوم أنها مطلب رئيسي من مطالب النجاح والتوفيق في الحياة والعلاقات الإنسانية. أما هذه المهارة التي أعنيها فهي تعني ببساطة أي تصرف اجتماعي يخلو من السلبية أو العدوان. وإذا أردت أن تعطي هذه المهارة اسما معينا فهي عندي تسمى حرية التعبير عن المشاعر و التلقائية الوجدانية. الشخص الذي يتصف بهذه الخاصية يتسم بدرجة عالية من التعبير عن المشاعر الإيجابية في علاقاته الاجتماعية التي تتطلب التعبير عن الاستحسان, والتقبل, وإظهار الحب, والمودة، والمشاركة الوجدانية. وهو (أو هي) أيضا أكثر قدرة من غيره على التعبير عن احتياجاته الشخصية والدفاع عن حقوقه بقوة, وبقدر من الحزم والاحتجاج, إذا ما اضطر للتفاعل بمواقف أو أشخاص يثيرون القلق والتهديد. بعبارة أخرى تجد أن سلوك الأشخاص الذين يتصفون بهذه المهارة يتسم بالتلقائية, والحرية في التعبير عن المشاعر الإيجابية, والسلبية أي مشاعر التقبل والرفض معا بحسب ما يتطلبه الموقف. وتبين البحوث أن من يمتلك هذه الخاصية يمتلك مفاتيح النجاح من وجهتي نظر الصحة النفسية والفاعلية في العلاقات الاجتماعية. ولأن الشخص المدرب على التعبير عن مشاعره يتكلم أكثر, ويعبر عن مشاعره في داخل الجماعة بحرية أكبر, وينصت للآخرين أكثر ويتفهم احتياجاته دون أن يتجاهل حاجات الآخرين, فهو بهذا المعنى يعطي للآخرين فرصا أكثر للتعبير المماثل عن مشاعرهم. ولهذا فليس غريبا أن يجد الشخص الذي يمتلك هذه الخاصية نفسه جذابا و مقبولا. بل إن المناخ الاجتماعي المحيط بهذا النوع من الأفراد يتغير كلية بوجود فرد أو أكثر من هذا النمط في أي مجموعة من الناس رسمية كانت أم غير رسمية. هذه الخاصية أطلق عليها بعض المعالجون النفسيون بشكل غير صائب: تأكيد الذات، أو "التوكيدية". ووجه الخطأ يكمن في التفسير السلبي لهذه الخاصية، وكأنها تعني فقط مواجهة الآخرين بعيوبهم (أو عوراتهم), التعبير عن الغضب, والصياح, والتسلط. بما يشبه طرق الإعلاميين المصريين الذين يطلق عليهم محمد حسنين هيكل بحق " إعلام الكاراتيه." حرية التعبير عن المشاعر- كما أدعو لها طريقا للعلاج النفسي و تنمية الصحة النفسية في الفرد و المجتمع- لها معنى أكثر اتزانا واتساما بالصحة النفسية من ذلك. فهي تعلمنا أن نعبر عن مشاعرنا بصدق, وأن نعي مصادر التهديد لدينا, وألا نخاف من إظهارها والكشف عنها. وهذا الوعي بدوره يساعدنا على صقل مهارتنا في التعبير عن المشاعر دون تشنجات القلق وثورات الغضب. والشخص الذي يستطيع أن يعبر بحرية عن مشاعره عند التفاعل بالآخرين يمكنه أن يتجنب الدخول في صراعات ومواجهات خاسرة أو حمقاء, خاصة تلك التي تتضمن تعديا على أدوار الآخرين ووظائفهم. وهو أيضا يتسم بالشجاعة في التراجع عن الأخطاء التي قد يرتكبها في حق نفسه أو في حق الآخرين, عمدا أو دون عمد. كما تعني أن تكون أيضا قادرا على رفض أن يجرك أحد إلى مجادلة أو مناقشة سخيفة, أو مملة, والسلوك التوكيدي يجعلك قادرا على التمييز بين المواقف المختلفة والاستجابة لكل موقف بما يناسبه من تصرف. هذه هي المهارة التي تملك من خلالها فيما ترى مفاتيح النجاح والفاعلية في العلاقات الاجتماعية, وتبين البحوث والخبرة العلاجية أن هذه الخاصية يمكن لحسن الحظ تدريبها وأن نتعلمها بقليل من التوجيه والانتباه الشخصي لأهميتها وهو مالا يسمح هذا المكان المحدود من النشرة أن نوفيه حقه من التحليل و العرض. ولكن الذي أستطيع أن أؤكده هنا أنه عندما تتاح الفرصة للشخص لاكتساب هذه المهارة سيسهل الأمر عليه لتطوير علاقة سهلة ودافئة بالآخرين, بسبب ما تخلقه هذه الخاصية من طمأنينة متبادلة، وتواصل.. | |
|