الإبداع بين الحرية والمسئولية

" الإبداع " وكيفية تحقيق التوازن بين حرية هذا الإبداع وأن يكون هذا الإبداع مسئولا ، فالإبداع عموما وفى كافة المجالات أمر محمود ومرحب به، بل ونتمنى ازدهاره وانتشاره، وأن تتضاعف الأعمال الإبداعية فى الأدب، والفن، والعلم، وكافة مجالات الإبداع، ولما كان شهر رمضان سوقا تشهد تنافسا حادا لعرض أكبر عدد من المسلسلات والأعمال الدرامية، والتى تعتبر أعمالا إبداعية من جوانب عدة، فقد كان لزاما علينا أن نتوقف أمامها لنرى مدى تحقيقها للمعادلة الصعبة وهى تحقيق التوازن بين حرية الإبداع وكون هذا الإبداع مسئولا، فمن المتعارف عليه والراسخ أن كل الأعمال الدرامية – تقريبا وبلا استثناء – تتضمن مشاهد للتدخين أو لتعاطى المخدرات أو شرب الكحوليات ( وأشياء أخرى كالحب والغرام والجنس ... الخ ) وتحت دعوى الواقعية وحرية الإبداع فإن المؤلفين والمخرجين والممثلين بدورهم يحرصون على عرض أدق التفاصيل وتكرار عرض المشاهد السابقة وبخاصة مشاهد التدخين وتعاطى المخدرات باعتبارها من حقائق الحياة ومفرداتها، وربما يمارسون أقصى طاقاتهم الإبداعية فى هذه المشاهد، ثم يدافعون عن ذلك بحرية الإبداع، والواقعية، والمصداقية وغير ذلك، ولكن ألا يعلم هؤلاء أن هذه الأعمال التى تعرض على شاشات التليفزيون متاحة للجميع أطفالا، ومراهقين، وراشدين، وأنها تعرض فى أوقات مختلفة وقد يعرض معظمها أو بعضها فى أوقات ذروة المشاهدة لتحقيق أكبر قدر من الجماهيرية، وبالتالى فإن الأطفال والمراهقين قد يجدون فيها نماذج للتقليد وفرصة لمحاولة الاختبار وإشباع الفضول وحب الاستطلاع، وهو ما تبين بالفعل فى عدد من الدراسات المصرية، حيث كانت وسائل الإعلام على رأس قائمة مصادر المعلومات عن المخدرات، هل وضع هؤلاء المبدعون فى اعتبارهم التأثيرات السلبية المحتملة لعرض هذه المشاهد؟ وهل تبيح حرية الإبداع الواقعية عرض كل ما يحدث فى الحياة حتى لو كان يتعارض مع البديهيات والثوابت والأعراف الاجتماعية؟ وهل حرية الإبداع مطلقة؟ وهل يمكن لهذا الإبداع أن يتعرض للشخصيات الهامة والرموز الاجتماعية فيعرض لحياتهم الشخصية وتفاصليها من منطلق حرية الإبداع دون أن تتدخل مقص الرقيب، ألا تثار قضية المسئولين الأخلاقية والاجتماعية فى مثل هذه الحالات؟ لهذا فإن هذا الحديث عن المسئولية الاجتماعية والأخلاقية – فى رأينا – لا يتعارض مع حرية الإبداع عند التعرض لموضوعات من شأنها التأثير السلبى على قطاع كبير من المواطنين . إن على جميع العاملين والمسئولين عن الأعمال التى تعرض فى التليفزيون – بوجه خاص – ضرورة مراجعة موقفهم وتحمل مسئولياتهم الاجتماعية والأخلاقية وأن يرشدوا عرض المشاهد التى تتضمن التدخين أو تعاطى المخدرات حتى يكونوا أدوات للوقاية لا أدوات للترويج والدعاية . وقى الله شباب مصر من كل الشرور وحفظ لها ثروتها الحقيقة التى لا تقدر بثمن حتى وإن كان هذا الثمن هو حرية الإبداع