الدلالات الرمزية للألوان في المجتمع المصرى

للألوان في حياتنا دلالات متعددة، ولعل أهم لونين اكتسبا دلالاتهما في المجتمع المصرى هما اللونان الأبيض والأسود، فالأبيض يدل على الإشراق والصفاء والنقاء والسعادة والهناء، بينما يدل اللون الأسود على الحداد والحزن والتعاسة والعتامة، وقد يكون هناك دلالات متفق عليها للألوان الأخرى بدرجة أو أخرى داخل مجتمعنا، من ذلك أن اللون الأخضر قد يدل على الشباب والحيوية والنماء والحياة ، والأحمر لون يشير إلى الثورة والنار والغضب وتأجـج المشـاعر والرغبـات الجنسية، بينما هناك ألوان لم يستقر لها معنى محدد وتنفتح للدلالات المتعددة المتناقضة مثل الأزرق والبني والأصفر، كما أن كل الاألوان المشتقة مثل البنفسجي والبرتقالى والرصاصى واللبني وغيرها تنفتح للكثير من الدلالات المتناقضة والتي تختلف من ثقافة لأخرى ومن فرد لآخر. والألوان في حضارتنا المصرية ليست ثابتة الدلالة، فقد تغيرت دلالة بعض الألوان عبر الزمن، ففي الحضارة المصرية القديمة كان اللون الأسود يرمز للبعث والحياة الخالدة، بينما هو الآن في مجتمعنا المصرى المعاصر رمز للموت والحداد والحزن، أما اللونان الأبيض والأخضر فقد ثبتت دلالتهما عبر الزمن حيث يدل اللون الأبيض على السعادة والفرح، بينما يدل اللون الأخضر على الشباب والحيوية والنماء. وفي حين أن دلالة اللون الأسود في المجتمع المصرى المعاصر قد أخذ دلالة الحزن وخاصة أن النساء يرتدين الأسود في حالات الوفاة، إلا أنه في المناطق الريفية بمصر نجد أن المرأة ترتدى الجلباب الأسود والطرحة السوداء ليس دليلا على الحزن، بل كدليل على الحشمة والوقار .وفي بعض المهن يتم استخدام ملابس ذات ألوان معينة لها دلالتها، فالطبيب يرتدى بالطو أبيض كذلك ترتدى الممرضات الزى الأبيض، وفي العيادات والمستشفيات يتم دهان الحوائط والأسرة باللون الأبيض، وكذا تكون الملاءات بيضاء، كدليل على الاستبشار والتفاؤل باستعادة المريض لحيويته وأملا في التقدم في العلاج والشفاء بإذن الله، بينما نجد أن المحامين والقضاة في أثناء نظر القضايا بالمحاكم وكذا أساتذة الجامعات في أثناء مناقشة الرسائل العلمية بالجامعات وأيضا في مناسبتهم وأعيادهم يرتدون أرواب سوداء كدليل وقار وهيبة وعدالة . وقد تكون الطبيعة الجغرافية للبلد هى المحددة للزى الأبيض كأنسب ما يكون للملاءمة مع الجو الحار، وهو ما نجده في شكل الجلباب الأبيض الذي يرتديه العرب في دول الخليج وبعض الدول الإفريقية وكذلك أيضا في صعيد مصر أو في الواحات وفي سيناء. ومن الملاحظ انطباعاتنا عن الناس تكاد تكون محصورة بين اللونين الأبيض والأسود، وأننا نصف بهما قلوب الناس، حيث نصف شخص ما بأن قلبه أبيض في حين نصف شخص آخر بان قلبه أسود، ومن ثم فقد اكتسب اللون الأبيض الدلالة على الطيبة والخير، بينما يدل اللون الأسود على الخبث والشر. وفي القرآن الكريم نجد الإشارة إلى دلالة اللونين الأبيض والأسود في قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وَجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وَجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وَجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وَجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [آل عمران آية: 106: 107] فالأسود يدل على الكفر والعذاب والنار، والأبيض دلالة على الإيمان والرحمة والجنة، حيث يوم القيامة يكون وجه المؤمن أبيض بطاعته لربه وعمله الطيب ولحسناته واستبشاره وللنعمة، ووجه الكافر أسود بمعصية ربه وسوء عمله ولسيئاته وللعذاب الأليم. وقد تحولت دلالات اللون إلى ألفاظا في تعاملاتنا اليومية، حيث نجد صباح الخير وقد استبدلت بتحيات مختلفة مشتقة من اللون الأبيض مثل: صباح القشطة، وصباح اللين الحليب، أو صباح الإشراق، وصباح النور، أو أن يتم تعتيم الصباح فيكون الرد على الآخر بتحيات مشتقة من اللون الأسود مثل: صباح الزفت، صباح القطران، صباح النيلة، صباح الهباب، والقول بالمثل حيث يبدأ البعض بصبغ النهار باللون فيلقي تحية الصباح قائلا للآخر: "نهارك أبيض من لبن الحليب" وقد نسمع من يقول للآخر في حال اختلافه معه "نهارك أسود" وبين الأبيض والأسود، نجد البعض يأخذون موقفا وسطا حيث يقولون لبعضهم البعض "نهارك أزرق" ، ناهيك عن شهرة اللون الرمادى فى المواقف والمناقشات .